الثلاثاء، 23 مارس 2010

القاصّة مليكة نجيب لـ "العرب": لاينبغي أن نحاسب النص من خلال كاتبه

 

 
2010-03-23 أجرى الحوار: إبراهيم الحجري  
تعتبر القاصة مليكة نجيب من القاصات العربيات الأوليات اللواتي تقدمن إلى حلبة الكتابة الإبداعية غير آبهة بالمعيقات والحواجز، اعتقادا منها بكون الكتابة وطنا كبيرا لا يخص أحدا دون آخر، ولا يدخله الرجال دون النساء. وقد سلكت التجربة القصصية بنفَس جديد يتخطى إيقاع البناء الكلاسيكي، ويروم تأسيس نموذج يسائل الذات في علاقتها بالمعيش من جهة، وفي علاقاتها بالتمثلات المتراكمة ثقافيا "doxa". إن الكتابة بالنسبة إليها قسوة دائمة على الذات، واشتغال مستمر عليها. من أعمالها: «الحلم الأخضر»، «وانفجرت ضاحكة» و«لنبدأ الحكاية». التقتها "العرب" بالرباط وأجرت معها الحوار التالي حول الكتابة وقضايا المرأة وأمور أخرى:
 من مليكة نجيب القاصة لدى مليكة نجيب الإنسانة؟ وكيف تتحدد المسافة بينهما أثناء العملية الإبداعية؟
*ليس هناك أي تباعد بين مليكة المبدعة ومليكة الإنسانة، لأن المبدعة حينما تؤلف نصا تستجمع من خلاله أطراف الحياة أو تسائل قضية من القضايا أو ترتاد به حقائق الحياة، فهي تفعل ذلك لكي تضيء جوانب النفس البشرية.
إن الإبداع بشكل ما، تغير، وتغيير لطرق التفكير، محاولة لتجاوز التنظيمات القائمة. إنه نوع من الاندهاش أمام ما تصلب بفعل الاعتياد والعادة، وانفتاح على آفاق جديدة للتفكير والحياة، وقبل كل شيء هو خلق للذة ومتعة تجعلنا نحقق نوعا من الرضا على الذات أو معها.
فالنص الجيد هو الذي يحقق هذا المبتغى، والقارئ أو المتلقي الجيد كذلك هو الذي يتحرر من الاجترار والنمطي والمستقر.
إن الكاتبة تستمد الكثير من تجربتها الشخصية، كما يتضمن النص الكثير من الآراء والأفكار والرؤى والمواقف العامة، ولكن النص الجيد كذلك هو الذي يخرج من الذاتي ليلامس المشترك عند جميع الناس، وهنا يكون اللقاء بين الذات المبدعة والذات الإنسانة، بحيث إن المتلقي حينما يقرأ النص يجد فيه ذاته كذلك.
ما أضع مسافة بيني وبينها هي مليكة الموظفة، مليكة الزوجة، مليكة الفاعلة الجمعوية، مليكة الباحثة، لأن كل هذه الانشغالات تفرض أدوارا اجتماعية تلزم وتكبل وتجعلك في الغالب تنصاع لشروط العمل ونوعية التصرف المطلوب وإكراهات الأدوار، فهي تغرقك في اليومي، واليومي كما تعلم، ضد كل عمق تفكير أو تأمل إبداعي.
 تكتبين القصة القصيرة وفكرك موصول بالتأمل في قضايا الإنسان، وتشعب اهتمامه، لذلك تغلب على السرد لديك ظاهرة التفلسف والحوار الداخلي واللغة الإيحائية.. كيف تفسرين ذلك؟
أظن -من غير أن يكون لهذا الظن أي إثم- أن الكتابة القصصية توظف الرمز والإيحاء، بل نجد هذا في كل الفنون، ومن ثمة فهي تصل ما بين الواقع والخيال، ويقوم المبدع بدور الوسيط بين الأحداث والشخوص التي يبدعها وبين المتلقي المفترض، ويخلق توظيف الرمز بالمتن القصصي تأويلات متعددة، وهذا ليس عيبا بل إثراء للنص.
ذكرت سابقا أن الإبداع يمر عبر تأمل وتباعد مع الأشياء والناس ومع الذات كذلك، ودور القصة القصيرة في نظري، هو أن تولد عند المتلقي نوعا من الاندهاش والتساؤل، فأنت تعلم أن فعل القراءة في آخر محصلته هو نوع من التلخيص، أي محاولة القبض على ما يعتقد أنه الفكرة الرئيسية في النص أو ما يسمى تيمة النص، إذا لم تخلق هذه الفكرة أثرا لدى المتلقي فإنني أعتبر النص قد ضل هدفه، فكل فكرة هي رؤيا فلسفية، وبغياب هذه الرؤيا يفقد النص متعته الفكرية، فقديما قال الفلاسفة: "إن الدهشة هي أصل التفلسف".
 في رصيدك الآن تجربة تتجلى عبر عدة مجاميع قصصية. ما الذي تحقق من مشروعك، وما الذي لم يتحقق لحد الساعة؟
*ركبت غمار الكتابة الإبداعية لأعيش التجربة وأصغي إليها. أعتبر أن الممارسة هي مجال للتكوين وأن القلم يشحذ بالمراس والدربة، والاطلاع على مختلف النصوص الإبداعية، أشتغل الآن على المجموعة القصصية الخامسة، وترجمت نصوص إلى لغات مختلفة ستمكن من توسيع رقعة القراء المفترضين، كما أن بعض النصوص تدرس وتنجز حولها دراسات، هذا يشجعني على المزيد من الاجتهاد والإصغاء والتمرس المستمر.
 تهتمين بالمرأة خارج الإبداع من خلال مشروعك الذي تدافعين عنه في الدكتوراه، وكذا من خلال مشروع عمل في إطار الوزارة الوصية، غير أنك تغيّبين هذا الموضوع في الكتابة القصصية لفائدة الاهتمام بالإنسان وقضاياه الكبرى. لماذا هذا التغييب؟
علينا أن نفرق بين مستويات التناول، فقضية المرأة في بلدنا بل وفي كل البلدان العربية هي قضية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وتاريخية وقانونية وحقوقية، كل هذه الجوانب تتطلب بحوثا متخصصة تجلي واقع المرأة وما تعيشه من قهر وظلم ودونية وتكبيل لقدراتها وإمكانياتها وطاقاتها، فهي إذن قضية أمة يجب أن تتكاتف جهود كل الفاعلين: دولة ومجتمع مدني ومثقفين وخبراء، ورجال قانون وفقهاء وغيرهم لبناء مشروع مجتمعي يغير الوضع الحالي لوضع يحترم المواطن العربي بصفة عامة، وكوني امرأة فإنني أعمل في إطار جمعيات المجتمع المدني، موازاة مع طبيعة عملي الوظيفي وفي إطار البحث النظري.
على مستوى الإبداع القصصي لا أظن أن النص القصصي يمكن أن يسخر لذلك أو أن يعوض مهمة الأبحاث والدراسات، بالرغم أن قضية وضعية المرأة لم تغب من نصوصي، ويمكن الرجوع إلى مجموعة "الحلم الأخضر".
وهناك من الكاتبات من كانت هذه القضايا هي موضوع اشتغالهن، خاصة عند من يكتبن بصوت الأنثى. إنني لا أنكر أن للمرأة خصوصيات بيولوجية كما هي عند الرجل، وإذا ساءلت بعض النصوص بطرقها الخاصة هذه الخصوصيات وخلقت لنفسها آفاقا مغايرة فذلك يدخل في إطار حرية الكاتبة، ما يهمني أنا أكثر، هو جمالية النص القصصي، بحيث يستجمع النص ما يكفي من الطرق الفنية التي تجعل الكاتب يحقق لذته التعبيرية، وتأتي الكتابة في حلة منسجمة لآلياتها من قواعد وبناء وأسلوب يشد القارئ إلى أوهام الكاتب الخاصة.
 كثير من النساء العربيات يكتبن بصوت الأنثى الملتاعة والشبقية والمظلومة، وارتبطت شهرتهن بالبوح بالدواخل المكلومة للمرأة العربية المحرومة والمشيأة، غير أنك تتبرمين من هذه الكتابة. لماذا؟
*لقد حاولت أن أجيب على هذا السؤال من خلال مجموعتي الأولى "الحلم الأخضر"، التي مع الأسف لم تنل حظها من المتابعة والنقد، وقد جاءت أغلب النصوص بصوتِ ساردٍ ذَكَر.
أعتقد أن الأساسي هو النص في حد ذاته وليس كاتبه، ومن قصر النظر أن نحاسب النص من خلال كاتبه أو حياته، أتذكر المبدع الكبير المرحوم محمد زفزاف مرة، عاتبته سيدة عن موقفه المحتقر للمرأة في نص تحت عنوان مشي، فأجابها أن ذلك الرأي ليس موقفي، لا دخل لي فيه، إنه رأي السارد.
أعتقد أن النص لا يقبل أن يصنف حسب جنس كاتبه، وكم من كتّاب ذكور سبروا المرأة في كتاباتهم أكثر من المرأة والعكس صحيح.
 ألم تفكري لحد الساعة في كتابة رواية؟ وبالمناسبة أي الأجناس ترين أنها مناسبة لهذا الزمن؟
سبق أن لاحظ عدد من النقاد أن النصوص التي أكتبها جد مكثفة، وأنها تصلح لتكون رواية، أنت تعلم أن الرواية تحتاج إلى زمن أطول، ربما عدم التفرغ الذي أعيشه وتوزعي بين عدة مهام يجعلني أجد نفسي أكثر في القصة القصيرة، وتحولي مستقبلا إلى جنس أدبي آخر وارد.
 كيف تلقى النقد كتاباتك السردية؟ وما رصيد منجزك النصي من المتابعات لحد الساعة؟ وكيف تقيّمين الوضع النقدي المغربي بتواز مع ما يصدر في السوق من منجز أدبي؟
باستثناء المجموعة القصصية "الحلم الأخضر"، لقيت كل من مجموعاتي القصصية: "لنبدأ الحكاية" و "السماوي" و "انفجرت ضاحكة" حيزا محترما من المتابعة والنقد، وذلك يحمّلني مسؤولية الاجتهاد ومضاعفة المجهود، لأكون في مستوى آفاق المتلقي، غير أن المشكل يكمن في ضعف القراءة عموما، وهذا ما يتعين النهوض به، فعلى كل مسؤول بالشأن الثقافي أن ينخرط فعليا في تغيير الواقع المتردي، فمثلا قطاع التعليم حيث نلمس ضعف الأنشطة الثقافية التي تمثل فضاء ملائما لتفتح مواهب الشباب وتطوير قدراتهم في الخلق والإبداع وتنمية الذوق الجمالي والفني، وكذا ضعف دور قطاع الثقافة فيما يتعلق بتوفير أندية للشباب وغيرها من الفضاءات التي تروج للمنتوج الفني والأدبي، وكذلك دور وسائل الإعلام في التواصل ونشر المعرفة، بالإضافة إلى قطاعات أخرى مثل الجماعات المحلية والشبيبة والرياضة، بل أعتقد أن الشأن الثقافي مسؤولية الجميع.
أما ما يخص القارئ المتخصص فهناك مجهودات يقوم بها بعض النقاد عبر مجموعات بحث أو أبحاث فردية، ولكنها مع ذلك لا تتمكن من مواكبة التحولات العامة التي يعرفها مشهدنا الأدبي والفني عموما، لضعف إمكانياتها المادية من جهة، ولبعدها عن الإطار المؤسساتي الذي يضمن الاستمرارية والتراكم.
 وما رأيك في القصة القصيرة جدا التي ظهرت مؤخرا، وبسرعة أصبح لها نقادها ومحتضنوها ورموزها؟
إن تجربة القصة القصيرة جدا في بداياتها، وقد حضرت ملتقى جمعية النجم الأحمر بمدينة بلقصيري خصص لهذا الجنس، وانقسم الحضور بين مشجع ومتأمل حذر ورافض بحجة أن هذا الجنس يطرح المشاكل أكثر مما يشبع تلهف القارئ الباحث عن متعة الحكاية، لنترك الحكم حتى نضج التجربة ومعرفة موقف المتأمل الحذر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق